السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السادة الأفاضل، أبْلُغ من العمر 42 عامًا، تزوجتُ وعمري 26 عامًا، مما يقرُب من 16 عامًا، أنجبتُ ابني الكبير، وعمره الآن 15، وهو محور الموضوع.
المهمُّ، بعدَ زواجي بشهرين تقريبًا بدأتِ المشاكل؛ زَوجي وعمله واقتراضه مِن أجْل إقامة المشاريع، ثم الديون والديّانة، والقضايا والمحاكم، وما إلى ذلك، وفي وسطِ هذه المشاكل لا يوجد وقتٌ عنده لتربية أولاده، ولا متابعة أحوالهم، فكان كل العبء واقعًا عليَّ: العبء المادي، إضافة إلى تربيةِ الأولاد.
حاولتُ قدرَ المستطاع غرْسَ حب الله ومخافته في نفوس أولادي، كنت أجمعهم كلَّ ليلة لأقرأَ لهم قصصَ وحكايات الصحابة والتابعين، وهكذا إلى أن أثقلتْ كاهلي المشاكلُ.
ومنذ 6 سنوات تقريبًا سافَر زوجي؛ بحثًا عن الرِّزق في مكان آخَر، وبعدها بفترة بسيطة علمتُ أنه تزوَّج، فأصابني همٌّ جديد إلى جانبِ الهموم التي أحملها، ولكن هذه المرة هذا الهمُّ قسَم ظَهْري، وقد كنت أقومُ بكلِّ أعباء أبنائي المادية والمعنوية، فلم يكن يُرسلْ لنا مصاريف، ولا أُنكر أنَّ مشكلة زواجه - مع ما أحْمِل من أعباء مع الأعباء المادية وعملي ليلَ نهار؛ كي أستطيعَ أن أغطِّي احتياجاتِ أبنائي الأربعة - قد استنفدتْ كلَّ جهدي، ولم يبقَ لنصح الأولاد ولا للتحدُّث معهم وقت، ورغم هذا كنتُ أحاول أن أجمعَهم في إجازة المدارس للقراءة في أي شيء.
وهكذا هذه حياتي لم يخلُ يومٌ فيها من الأحداث سردتُها لحضرتك في عُجالة؛ حتى تستطيعي تخيُّلَ المشكلة.
المهمُّ الآن، هو أنَّ ابني الكبير عندما كان عمرُه 5 سنوات أرسلتْ إليَّ الاختصاصيةُ الاجتماعية في المدرسة أنه يأخُذُ أدواتِ أصدقائه، وقالت لي: إنه يسرق، ويومَها بكيتُ بكاءً مريرًا؛ هل هذا ابني الذي كنتُ أربِّيه، وأَمَلي فيه كبير أنْ يحملَ هَمَّ المسلمين بيْن ضلوعه؟!
وكنتُ كلَّما وجدتُ معه شيئًا أطلب منه أن يعيدَه إلى صاحبه في اليوم التالي، وفي يوم - وكان آنذاك في السادسة أو السابعة من عمرِه - أتَى بـ(أيس كريم) مِن (محل البقالة) ولم يدفعْ ثمنه، فتحدثتُ معه عن ما فعَل ووجهتُه وأعطيتُه المال وطلبت منه أن ينزلَ ليدفعَ ثمنَه.
وهو في الصفِّ الثالث الابتدائي أتَى لي بشرائطَ من المدرسة أيضًا لم يدفعْ ثمنَها، ولكني هذه المرة ضربتُه ضربًا شديدًا؛ حتى لا يعود لمثلها، وإنْ لم يكن في استطاعتي شراء هذه الأشياء له، هل هذا يُبرِّر له ما يفعله؟!
طبعًا لم تكنِ الوقائع هذه فقط هي ما أدَّتْ بي إلى ضرْبه، ولكنَّ المشكلة أنه كمَن يسمع الكلام بالأذن اليُمنى، ثم يخرج من الناحية الأخرى، دون أن يمرَّ على عقله، ولا عِبرة ولا نُصح، ولا إرشاد، ولا أي شيء يُجدي معه.
المهمّ، ظلَّتِ الأمور معه هكذا إذا ذهَب واشترى لي شيئًا من المحل يأخذُ الباقي، وهكذا ربَّما كانت حالتُنا المادية كانتْ هي السببَ، ولكن ما حيلتي؟! لقد كنت أعمل ليلَ نهارَ؛ لتلبية حاجاتهم.
المهمّ، الآن وعمره 15 عامًا، تعرَّف على بعض أصحاب السُّوء، فأصبح يشرَبُ السجائر، ويأخذ مِن حافظتي النقودَ مِن ورائي مهما أخفيت الحافظة، مفاتيح السيارة مهما أخفيتها، يذهب ويبحث عنها ويأخذ السيارة وأنا نائمةٌ بالليل، إذا أغلقتُ عليه بابَ المنزل؛ لكي لا ينزل من المنزل يَقفِز من سطح المنزل وهو خطرٌ جدًّا ويمكن أن يَهوي به من الدور السادس؛ ولكن لأنَّها سلمتْ معه مرَّات، فهو يُكرِّرها.
يُصاحِب بناتٍ ويذهب ويتنزه معهن، أخذتُ إجازة من عملي، وجلستُ معه في البيت؛ لكي لا يخرج، وليس هناك فائدة! كل يوم يَعِد أنَّه سوف يُصبح إنسانًا جديدًا، وسيكون الرجل الذي أعتَمِد عليه، ولكن لا فائدة!
ما أنْ تمرُّ ساعةٌ واحدةٌ له خارج المنزل حتى يَنسى عهودَه ويُكرِّر نفْس الأخطاء، كنتُ أعطيه مصروفًا ضِعْفَ مصروف إخوته، ولكنه دائمًا معترِض، فهو لا يكفيه - على حدِّ زعمه - ولكن عندما علمتُ أنه يشرب سجائرَ منعتُ عنه المصروف، تدخَّلَ خالُه وعمُّه، ولكن هو ليس عندَه كبيرٌ يسمع كلامه، أو كما قلت له: لا عندَك كبير تهابه، ولا محب ترضيه!
احترتُ معه جدًّا، ولا أدري ما أفعله معه، والآن حبستُه في البيت ومهما تَوسَّل وحاول أن يَعِد بأنه لن يُكرِّر ما يصنع، وسيصبح شخصًا جديدًا، فأنا لن أترُكَه يخرج من المنزل.
فهل هذا صحيح؟ أو ماذا أفْعَل معه؟ مع العِلم أني ذهبتُ به إلى طبيبٍ نفسي، وقال لي: إنَّه سوف يتفاهَم معه، ولا أقوم أنا بالتدخُّل بينهما، وذهبتُ به حوالي أربع مرَّات، ولكنِّي لم أجدْ أني أفهَمُ ما يحدُث، فقررتُ إيقافَ هذه الجلسات، فقد كانتْ تُرهقني ماديًّا جدًّا، ولا أعْرِف كيف تسير الأُمور.
أمَّا عن أبيه، فكلَّما فعَل شيئًا أرسل له، ثم ينهَرُه ويزجُرُه يومين أو ثلاثة، ثم لا شيء، وقد يستمرُّ بالشَّهْر لا يرفع سماعةَ الهاتف، ويسأل عن أولادِه.
سامحوني إنْ طلبتُ أن يكون ردُّكم عليَّ بسُرْعة؛ نظرًا للحالةِ السيِّئة جدًّا التي أنا فيها.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أعانكِ الله وهدَى ولدَك، وأقرَّ عيْنَك به، ومرْحبًا بك معنا في (الألوكة).
في الحقيقة لا أَدري لِمَ يربط بعضُ الأزواج التعدُّدَ بإهمال البيت الأوَّل، وكأنَّه لم يَعُدْ مسؤولاً عنه، ولا عن مَن فيه؟!
يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((...والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيْت بَعْلِها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم...))؛ متفق عليه.
تزوَّج الزَّوْج، هذا حقُّه، لكن أين رعايتُه لبيته؟! أين دَوْره في تربية ابنٍ في هذا العمر؟! أين إنْفاقُه على بيته؟!
تقولين: إنَّ الولد لم يستجبْ لكلام عمِّه أو خاله.
هذا منطقي جدًّا يا عزيزتي، في غِياب دَوْر الأبِ.
ثقِي أنَّه لن يقومَ مقام الوالِد إنسان، وأنَّ عليه أن يأتي بنفسِه، ويتولَّى مهمَّته التي سيُسأل عنها أمامَ الله، فأَنصحكِ أولاً أن تتحدَّثي إلى زوجِك في هذا الأمر، وأن تطلبي منه الحضورَ إلى بلدِكم، والعدل بيْن البيتَيْن، وبعدَ ذلك تقومانِ بالاتفاق على أُسس معيَّنة في تعاملكما مع ولدكما.
المشكلة ظهرتْ عندما كان الولَدُ عمرُه خمسةُ أعوام فقط، ثم تكرَّرتْ في السابعة، وكان الأبُ موجودًا آنذاك؛ حيث إنَّه قد سافَر قبل ستِّ سنوات فقط؛ أي: كان عمر الولد تِسعةَ أعوام؛ فأيْنَ دَورُه؟ وما رِدَّة فِعْله؟ لم أجدْ رِدَّة فعْل إلاَّ منكِ، وكانتْ بالبُكاء الشديد!
ما هكذا تُعالَج المشكلات يا أمَّ محمَّد!
الولَد كان صغيرًا جدًّا وفي عمر التلقِّي، ولا يَكفِي مجرَّد قصَّة لتقويم سلوكيات غيرِ مرغوبة، فلا بدَّ مِن متابعة النموِّ المعرِفي، والاقتِناع النفْسي لدَى الطِّفل، وقِياس مدَى تأثُّره بما يَسْمع؛ فقد يَسْمَع قصَّة عن السَّرِقة يُذمُّ فيها فِعْل السَّارق، لكنَّه يُعجَب بالفِكرة بدلاً من أن ينفرَ منها... وهكذا علينا أن نُدرِك مدَى تفاعُل أطفالنا مع ما نقول، أو نُشرِكهم معنا في حلِّ بعض المشكلات أو مناقشةِ بعض القصص مثلاً التي تتناول السَّرِقة أو الفِعْل المذموم الذي نشكُو منه.
كذلك فقد تكون دوافعُ السَّرِقة شعورية؛ كحبِّ التملُّك أو إشْباع الحاجات، أو وجود مفاهيمَ خاطِئة، وقد تكون لا شُعورية وهي ناتجةٌ عن عَلاقة الطِّفل السيِّئة بمَن حوله، وتبرير السرقة داخلَ عقله الباطِن على أنَّها رِدَّة فِعْل طبيعيَّة؛ لأنَّه حُرِم السعادة في بيته وبِيئته، ولا سبيلَ للحصول عليها إلا بالسَّرِقة!
ففَهْم الدوافع والوقوف عليها بدِقَّة كان أوَّلَ ما ينبغي فعلُه.
على كلِّ حالٍ فات أوانُ هذا معه، لكن يمكن تداركُه مع إخوته - بإذن الله - وأما هو فَلعلَّنا نسلُك سلوكًا مختلفًا، فتابعِي معي.
مشكلات ولدك المراهق:
1 - السرقة.
2 - مرافقة الفتيات.
3 - شرب الدخان.
4 - نقض العهود مهما تكرَّرت.
• السرقة:
السرقة في هذا العُمر، وبعد هذا التاريخ السيِّئ، قد يصعُب التخلُّص منها، وكنتُ أُفضِّل الاستمرارَ مع الطبيب النفسي؛ فالعلاج النفسي السلوكي مع شخصٍ مِن خارج البيت (الطبيب) غايةٌ في الأهمية، ومِن الطبيعي ألاَّ يُطلعك الطبيب على خطِّ سيْر العمل، لكن عليك بالتواصُل معه لمتابعةِ الحالة والاطمئنان على الولَد، فأنصحُك بالعودةِ لنفس الطبيب، والاتِّفاقِ مع والده بشأن تكاليف العِلاج، والتواصُل بنفسه مع الطبيب ولو بالهاتف.
كما أنصحُك بالابتعاد تمامًا عنِ التشهيرِ به، وإعلام غيرِ الوالد بحاله، والتحدُّث عن مشكلاته أمامَ الناس، المراهِق في هذا العمر يكون أشدَّ حساسيةً مما تتصوَّرين، ويُخفي تلك المشاعر ويعتبرها أحيانًا مظهرًا من مظاهرِ الضَّعْف، الذي عليه أن يدفنَه فلا يَطَّلِع عليه بشَرٌ هو بحاجة لمَن يحتويه، ويُصادِقه صداقةً حقيقيَّة.
لماذا يعشق أبناؤنا في هذا العمر الخروجَ مِن المنزل؟
لأنَّهم يَجِدون خارجَ المنزل ما لا يُمكِن أن يجدوه داخلَه، فلن يوبِّخَه صديقه على ما يَفْعل، ولن يُخالِفه في الغالب، ولن ينهرَه أو يذكره بما يجبُ أن يكون عليه؛ لأنَّه باختصارٍ مثله تمامًا، وهنا المعادلة الصَّعْبة!
هل على الأمِّ أن تتغاضَى عن كلِّ ما تسمع، وتبتعدَ عنِ التوبيخ مهما رأتْ؟
هذا مستحيلٌ عمليًّا، لكن بإمكانك أن تُمسكي العصا مِن المنتصف، فلا توبيخَ وقتَما يقصُّ عليك مغامَرة أو فِعلةً شائنة، ولكن أَظْهري بكلِّ حبٍّ، وبالمحاورة الهادئة الودود أنَّ ذلك غيرُ مفيد له شخصيًّا، وأنَّ المخاطر تحفُّ هذا الطريق، ويكون ذلك بدون صِيغة الأمْر نهائيًّا، ولكن بصيغة: ألاَ تَرَى أنَّ كذا فيه خُطورة؟
ما رأيُك يا عزيزي في أن تتَّبع كذا؟
ثُمَّ عليكِ أن تُحمِّليه قدْرًا من المسؤولية مع ذلك، فهو أكبرُ إخوته، فاجْلِسي معه جلسةً أُسريَّة ناقشيه في همومِ الأُسْرة، واطلبي مساعدتَه في أنَّك وحيدة، ووالده مشغولٌ ببيت آخَر، وضعي معه خططًا لميزانية البيْت مثلاً، اطلبي منه وضْعَ حلول لبعضِ مشكلات إخوته، وهكذا.
فتحميلُ المراهِق في هذا العمر قدرًا من المسؤولية غايةٌ في الأهمية، ومطلَبٌ رئيس في تكوينِ بنيته الاجتماعية، وتقويم بعضِ السلوكيات الشاذَّة لديه، على عكْسِ ما يظنُّ الكثير من الآباء والأمَّهات.
أُكرِّر على أهمية اقتناعه بما تقولين، وعدمِ إلْقاء النُّصْح على آذان مغلقة، ولمعرفةِ ذلك كرِّري التحاور معه حولَ مختلف الموضوعاتِ، وإشعاره بأنَّ رأيه مهمٌّ وأنه مفيدٌ ونافِع جدًّا للبيت، ويصعُب الاستغناءُ عنه.
• مرافقة الفتيات:
إنَّ السيتروتونين HT -5 وهو الناقِل العصبي الذي يُساعِد على الشعور بالرَّاحة والهدوء والاتزان، لا يُوجَد في جسم المراهِق إلا بمعدَّل منخفض، فإذا ما أضَفْنا إلى هذه المعلومة الدوافعَ السلبية، والضغوطَ النفسيَّة، التي يتعرَّض لها المراهق، فلن نتعجبَ مِن تخلِّي بعضِهم عن الأخلاق الحميدة أحيانًا، ومِن ذلك مصاحبةُ الفتيات والتنزُّه معهنَّ.
أختي الكريمة:
لا شكَّ أنَّ مرافقةَ الفتيات تُزعِج كلَّ أم تحبُّ ولدَها، وتخاف عليه، لكن هل سألتِ نفسَك ما الذي يَدْفَعُه لذلك؟
نحن بحاجةٍ إلى الإبْحار داخلَ عقول وقلوب أبنائنا.
يرتبط النموُّ الأخلاقي للمراهِقين بالنموِّ الإدراكي، وبما أنَّ المراهق يعتمد على العاطفةِ أكثرَ من المنطق، فعلينا أن نَلِجَ إلى قلْبه مِن هذا الباب.
اجْعلي حوارَك معه عاطفيًّا بحتًا، حدِّثيه عن ذِكريات الطُّفولة، وما كنتِ تواجهين مِن متاعِب، حدِّثيه عن أيامِ زواجك الأُولى، وعن مولده وطفولته، واستمعي إليه واهتمِّي بكلِّ كلمة يقولها.
المراهِقُ بحاجة لإثبات ذاته، تدور في عقْله الباطِن الكثيرُ من الأسئلة المُحيِّرة، والتي لا يستطيع أن يتفوَّه بها: مَن أنا؟ ما قِيمتي في هذه الحياة؟ ماذا أُمثِّل لمَن حولي؟ كيف أُثبت وجودي؟
هو بحاجةٍ للإجابة غيرِ المباشرة على كلِّ ذلك، أعْنِي الإجابةَ العاطفية، وليستِ الكلامية، فلعلَّه يجد عندَ الفتيات من ذلك الشيءَ الكثير، هذا بالإضافةِ إلى الميول الفِطرية للجِنْسِ الآخَر، وما يستشعره المراهِق، لكن لا يكون هذا الشُّعورُ أقْوَى من الحاجةِ إلى الأمان والعَطْف، واحتواء مشكلاته الخاصَّة، وإشعاره بأهميَّته.
وبإمكانك الاطِّلاع على هذه الاستشارة بعنوان "علاج ما يظهر من الأفعال السيئة للأبناء".
• شُرْب الدخان:
لا شكَّ أنَّك قُمتِ بالتوعية الواجبة، ونصحتِ له، وبَيَّنتِ حُرمةَ الدخان وخطورتَه على صحَّته، لكن بقِي أن تَعْلمي أنَّ عدم التوازن بيْن "الأميجدالا" (الجزء المسؤول عن المشاعِر)، والفُصوص الجبهية في المخِّ تحول دون تحكُّم المراهِق في بعضِ أفعاله، وتُفسِّر رغبتَه - كما يعترِف بعضُهم - في خوْض بعضِ التجارِب الخَطِرة، والإقدام على الأهوال، ويَجِدون في ذلك من المتعة وإثبات الذات الشيءَ الكثير!
كونُه نجَحَ مرَّةً في القفْز من فوْق سطح المنزل، فقد أثبَتَ لنفْسه بذلك أنَّه أهلٌ لخوْض المزيد من التجارِب الصَّعْبة، ومواجهة المخاطر، وربَّما يتباهَى بذلك أمامَ رُفقائه أو رفيقاته.
على كلِّ حالٍ أنصحك بمواصلةِ النُّصح له، مع الاستمرارِ مع الطبيبِ النفْسي في العِلاج السلوكي، ثم تَسيرين مع كلِّ ذلك على خطِّ العاطِفة، وإشباعه معنويًّا وعاطفيًّا، بكثرةِ الثناء، وإظْهار المحبَّة، والاحتياج والتفوُّه بالكلمات الطيِّبة المشجِّعة، ثم إظهار وتبيين أنَّ الدخان لا يُعطِي للشابِّ الاحترام أو التوقير الذي يظنُّ، ولا يَعْني أنَّه قد أصبح رجلاً يعتمد عليه، بل هو مظْهَر سيِّئ ومقزِّز.
قُومِي بالاطِّلاع معه على بعضِ الكُتُب، أو المواقع الطِّبية التي تُبيِّن خطَرَ التدخين وأثرَه السيِّئ على الصحَّة، وعدد الوفيات سنويًّا بسببه، وهكذا استمرِّي في التأثير النفْسي الذي يُبغِّض إليه هذا العملَ، دون إلْحاحٍ يزيده تمسُّكًا به.
• نقض العهود:
أنتِ بحاجةٍ الآن لعَقْد جلسةٍ، ولو ساعةً أسبوعيًّا، (وأرجو ألاَّ تقولي: لا وقت لديَّ، صدِّقيني، هناك وقت)، في هذه الجِلْسة تتخيَّرين - مسبقًا - أحدَ الكتب الفِقهيَّة أو الحديثيَّة، أو في السِّيرة، وتَطلبين منه أن يقرأَ عليكم بصوتِه الجميل بعض الصَّفحات، ثم تتمُّ مناقشةَ ما يقرأ، وفتح بعض الحوارات السريعة عنه، والاطِّلاع على فَهْم كلِّ واحد للكلام، وهذه الجِلْسة بالإضافة لتعزيز ثِقته بنفسِه، فإنَّها تكسبه من المعارِف والعلوم ما يُرسِّخ الكثيرَ مِنَ المفاهيم الطيبة لدَيْه، كما أنَّها تُشعِره أنَّ القراءة أمرٌ غير إلْزامي له، وتُقرِّبه من الكتاب شيئًا فشيئًا؛ ليستعيضَ به عن رُفقاء السُّوء.
ومِن بيْن ما أُرجِّح لك تخيُّره للقراءة كتبُ التفاسير، ولتبدئي طلبك بأنَّ هناك الكثيرَ من آيات الله التي أَشكل عليك فَهْمُها، فيقوم بالقراءة حوْلَ بعض الآيات، ثم تتخيَّرين بعدَ ذلك ما يتحدَّث عن نقْض العهود ما جاءَ مِن وعيد لِمَن يَفْعَله، وغيرها مِنَ الآيات التي تُرسِّخ مفهومَ العقيدة الصحيحة لديه، ولا تنسي أن تَشكُريه بعد تلك الجِلسة على ما استفدتِ منها!
وأنصحُك بعدمِ حبْسه في البيْت مطلقًا، ولكن تقييد خروجِه، ومع مَن سيخرج، وإلى أين، والأسئلة تكون للاطمئنانِ، وليس للتحقيق.
في النهاية: أتوجَّه إليكِ بسؤالٍ يا أمَّ محمد، وأرجو أن تُجيبي عنه بصراحة:
هل تَدْعِين لولدك؟
هل تَتضرَّعين إلى الله في سجودِك أن يَهديَه ويحفظَه، ويقرَّ به عينك في الدنيا والآخرة؟
نحن في قِمَّة التقصير مع أبنائنا، فنغفُل عن الدعاء لهم، ثم نشكو حالَهم.
كان سعيدُ بن المسيَّب - رحمه الله - يقول لولده: "لأزيدنَّ في صلاتي رجاءَ أن أُحْفَظَ فيك"، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾؛ [الكهف: 82]، فانظري إلى التأثيرِ النفسي لهذا الكلام على الولَد، فللهِ دَرُّهم، ما أفقَهَهم!
وفَّقكِ الله، وأقرَّ عينك بولدِك، وأصلح حالَه.
ونسعد بالتواصل معك في كلِّ وقت.
اسم الكاتب: أ. مروة يوسف عاشور
مصدر المقال: موقع الألوكة